الثلاثاء، 11 ديسمبر 2012

دور التربية والتعليم في بناء ثقافة النزاهة


دور التربية والتعليم في بناء ثقافة النزاهة
لا جدال اليوم حول أهمية التعليم (بمعناه الواسع من خلال المؤسسة التربوية) في حياة الإنسان باعتباره حقًا أساسيًا من حقوق الإنسان. فمع تقدم المجتمع وتطوره تطور الاهتمام بموضوع التعليم للجميع وتقدم. فمثلا لم يعد التعليم منصبًا على الذكور دون الإناث كما كان سابقًا، ولم يعد محصورًا بفئات دون أخرى، بل أصبح متاحًا للجميع. وتلعب الدولة في هذا المجال دورًا مهمًا من خلال جعل التعليم إلزاميًا، على الأقل في المرحلة المدرسية الأولى، إضافة إلى جعله مجانيًا من أجل تشجيع الفئات الفقيرة والمهمشة على التوجه نحو التعلم، والذي يعتبر بالنسبة لهم الطريق الوحيدة للخلاص من الفقر. كما أنه بالنسبة للدول ضروري جدًا لنموها وتطورها. ولا تقتصر أهمية التعليم على تزويد الفرد بالمعارف، بل تزداد أهمية التعليم ودوره في نمو المجتمعات وتطورها من خلال قدرة المؤسسات التعليمية بمستوياتها المختلفة (رياض الأطفال والمدارس والجامعات) على غرس وتنمية الكثير من القيم مثل النزاهة والمساواة والعدالة الاجتماعية والحس بالمسؤولية ومكافحة الفساد. ولا يمكن لتعليم قيم النزاهة أن يتم بشكل منعزل عن البيئة التي ينمو فيها الأطفال، إذ تلعب هذه البيئة دورًا مهمًا في تشكيل اتجاهاتهم وقيمهم ومواقفهم في الحياة. وبالتالي فإن تعليم الأخلاقيات يجب أن يكون جزءًا من جهد أوسع لتحسين الحاكمية وتقليل الفساد. وفي هذا الإطار يجب أن يحصل الأطفال على بيئة تعليمية مناسبة وبّناءة ليتعلموا قيمة النزاهة، فشباب اليوم هم قادة المستقبل، والقيم والأخلاقيات التي يكتسبونها وتساهم في تشكيل شخصياتهم ستساعد إلى حد كبير في مكافحة الفساد. وتقوم المدارس والهيئات التدريسية فيها بلعب دور رئيسي إلى جانب الأسرة والمجتمع في تعليم قيم النزاهة والصدق والأمانة والتعرف على أشكال الفساد المختلفة وكيفية محاربتها على كافة الأصعدة. ويأتي هذا الدور المهم للمدرسة انطلاقًا من موقع المدرسة في النظام التربوي في المجتمعات المعاصرة ومن تدخلها لتربية الفرد في أكثر مراحل حياته أهمية على تحديد شخصيته. واعترافًا بدور المدرسة في بناء قيم صالحة لتشييد صرح البناء الاجتماعي السليم والمتطور، دأب المربون والمفكرون والباحثون على التأكيد بأن تحقيق الديمقراطية وإرساء القيم الأساسية للمجتمع مرهون إلى حد كبير بتحقيق الديمقراطية في المؤسسة التعليمية التربوية. ويبينون في الوقت ذاته أن التربية على قيم المواطنة لا يمكن أن تتحقق من خلال دروس مثل "التربية الوطنية" أو "التربية المدنية" لوحدها، فرغم أهمية هذه الدروس وقيمتها المعرفية، إلا أن التربية على قيم المواطنة تحتاج لتحقيقها عملا مكثفًا ومجهودًا متواصلا لإرسائها من خلال اندماج هذه القيم في جميع المعارف المدرسية، إضافة إلى تضمينها في الأنشطة التربوية المدرسية اليومية الأخرى وفي النظام التربوي المدرسي برمته حتى يتحقق الهدف المنشود. وقد جاءت توصيات وقرارات المنظمات الدولية المسؤولة عن قطاع التربية والتعليم في العالم، مثل منظمة اليونسكو واليونيسف ومكتب التربية العالمي وغيرها، لتؤكد على الدعوة إلى إثراء البرامج التعليمية والكتب والوسائل بتضمينها القيم الكفيلة بتكوين المواطن الحر والمتضامن المسؤول والمتفتح الذي يقدر قيمة الحرية ويحترم كرامة الإنسان ويؤمن بحق الاختلاف. ولأجل ذلك تدعو إحدى وثائق اليونسكو إلى العناية بالمقاربة التعددية في مجال اكتساب المعارف، التي تقتضي دعم نمو الفرد وتعزيز إيمانه بقدراته الذاتية واستقلاليته واحترام الآخرين وتطوير معنى المسؤوليات الاجتماعية في سياق التعاون والتآزر والاستقلال المتبادل. (مهداد، 2005)
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق